الجمعة، 31 أغسطس 2012

من الحكايات المغربية : اخدم يا التاعس للناعس

كان هنالك رجل غني ، لديه المئات من الإبل و البقر و الغنم ، و بالرغم من ثرائه فقد كان غاية في البخل و الشح ، يأكل خبز الشعير و يلبس رداء رخيصا ، و قد قاست زوجته من بخله كثيراً.

و بالرغم من مرور سنوات طويلة على زواجهما لم يرزقا  بأبناء ، و صبرت المرأة على حرمانها من الأطفال ، كما صبرت على تلك الحياة المتقشفة التي عاشتها مع زوجها البخيل .

و حملت المرأة فجأة ، ففرحت فرحا شديدا لذلك ، و مرت شهور و وضعت ولدا ، ثم أرادت أن تحتفل بمرور أسبوع على ولادته ، كما يفعل الناس فقالت لزوجها ، " لقد من الله علينا  و رزقنا طفلا ، بعد أن حرمنا سنوات طوال ، و إنه ذكر و به فرحنا ، و هو  خير من أن نرزق بنتا ، لهذا أود احتفالا يليق بفرحتنا ، و نقيم وليمة ندعو إليها الأهل و الأصدقاء  " ، لكن البخيل صاح و صرخ في وجهها ، " و الله إن الخير لا يجيئ عن طريق النساء ، إنك تريدين لي الضرر و الأذى ، و إنك تريدين لي الفقر و الخراب عندما تطلبين مني أن أبدد أموالي في التوافه ".

[caption id="attachment_2488" align="alignleft" width="163"] حكايات مغربية[/caption]

لكن المرأة أصرت و لأول مرة عارضته في قوة ، و قالت : " و الله لنقيمن الوليمة و ندعو إليها الناس و لا بد لي أن أفرح " . و لما وجد الرجل أنه لا فائدة من الجدال مع زوجته ، قال لها ، " ما دمت مصممة ، فليكن  ، و لندع عددأ من الأهل لا يزيد على سبعة و نذبح ثلاثة أزواج من الدجاج " ، فصرخت المرأة : " يا لك من رجل بخيل ، أعطاك الله ولدا ، و أعطاك المئات من الإبل و البقر و الأغنام ، ثم تريد أن تذبح دجاجا في حفلة العمر " ، فصاح الرجل : " ماذا تبغين أيتها المرأة ؟ " . فأصرت على ذبح كبش حتى لا يعيبها الناس ، فقال لها : " أنت مجنونة ، لكنني سأوافقك مضطرا" ، و نادى رعاة ماشيته ، و أخذا يبحث عن حمل صغير ، أو شاة عجوز ليذبحها في حفلة مرور أسبوع على ميلاد ابنه فلم يجد ما يرغب ، لأن أكثر الخراف كانت في حالة جيدة، فأخذ يبحث عن الماعز ليختار معزة يذبحها ، و وجد معزة عجفاء فاقترب منها و قال : " أنت أيتها المعزة تصلحين للذبح ، و توافقين غرضي " ، فإذا المعزة تتكلم بلسان فصيح و تقول : " ها ها ها ليس لك أن تذبحني ، أنا لست ملكك ، و نحن الماعز و الغنم و الإبل و البقر ، لسنا ماشيتك ،إنك لا تملك شيئا ، لسنا رزقك ، إننا رزق الناعس ، رزق الناعس ". و كررت قولها عدة مرات .

فوجم البخيل و اندهش ، و ابتعد عن قطيعه و رجع الى خيمته غاضبا و قال لإمرأته ، " و الله لأغادرن هذا المكان و لن أعيش هنا أبدا ، سأبيع كل ما أملك من ماشية ، و آخذ أموالي و أذهب الى المدينة ، و أعمل في التجارة " ، فاندهشت المرأة لكن البخيل كان قد قرر أمرا و بدأ في تنفيذه .

و أخذ البخيل يبيع أبقاره و أغنامه و يذهب الى الأسواق بإبله ، فلم تمض ثلاثة أشهر حتى كان قد انتهى من بيع كل ما يمتلك ، و أحضر سبعة قدور من النحاس و ملأها بأمواله من الذهب و الفضة ، و تأهب للرحيل الى بلدة بعيدة ، و كان لابد له أن يسافر إليها عن طريق البحر ، و بالقرب من بلدته كان يقع الميناء الذي يسافر منه .

فاتخذ طريقه الى الميناء و وجد مركبا سيبحر بعد أيام ، و اتفق مع ربانها أن يسافر معه هو و أسرته نظير قدر بسيط من المال ، و أن يأخذ معه أيضا سبعة قدور نحاسية ، قال البخيل إنها مليئة بالملح ، و بعض المتاع ، و أخذا يساوم الربان في أجر نقلها مدعيا الفقر ، و حين تم الإتفاق طلب البخيل من الربان أن يرسل معه بحارين من رجاله و استأجر حمارين لحمل القدور و ما عنده من متاع .

و حمل البخيل القدور فوق الحمارين و ذهب يصحبهما الى الميناء ، و وضعوا القدور في المركب ، و أراد أن يرسل الحمارين ليحملا زوجته و طفله و ما تبقى من متاع ، و بينما هو يتكلم مع البحارين ، وقع مغشيا عليه ، و لم تمض دقائق حتى لفظ آخر أنفاسه ، فحمله البحاران فوق الحمار و ذهبا به الى زوجته ، و ارتاعت الزوجة و أخذت تبكي و تولول ، و رجع البحاران بسرعة ليلحقا بالمركب التي كانت ستبحر.

و لم تصدق الزوجة ما حدث ، فقد كان زوجها في صحة جيدة ، و احتضنت طفلها ، و أرسلت الى أهل زوجها ليقوموا بدفنه و تقبل العزاء فيه ، و بعد ساعات ، تذكرت الزوجة  ، التي أطارت المصيبة صوابها ، الأموال و القدور النحاسية ، فهرعت الى الميناء لتحضر القدور ، لكن المركب كان قد غادر الميناء في طريقه الى عدد كبير من المدن و لن يعود قبل سنة إن لم يكن أكثر ، فعرفت أن المال قد ضاع ، ذلك لأن القدور كانت مليئة بالذهب و الفضة ، و إذا طالبت بها ، فلن يصدقها أحد ، و هل يعقل أن من يجد الذهب يحفظه و يرده ؟ على أية حال ، فقد ذهب المركب ، و ذهبت الأموال ، فقالت المرأة : " فليعوضني الله خيرا ".

أما المركب فقد سار في طريقه ، و مر بمدن كثيرة حتى وصل الى البلدة التي أراد البخيل أن يذهب إليها ، عندئذ تذكر الربان الرجل ، فبحث عنه فلم يجده ، فاندهش لكن الأمر لم يهمه ، لأنه قبض أجره ، و لم يكن أحد يعرف أن في القدور ثروة طائلة.

و نزل الربان ، و ذهب الى  مقهى في الميناء ، اعتاد البحارة الذهاب اليه ، و كان يملك المقهى رجل كسلان ، يجلس دائما فوق كرسيه لا يتحرك ، فالزبائن يجيئون و يخدمون أنفسهم ، فإن أراد زبون كوبا من الشاي ، فأمامه النار و السكر و الشاي و الوعاء ، فعليه أن يجهز الشاي ، و إن أراد الزبون شيئا من القهوة فعليه أن يجهزها بنفسه ، و كل من أراد شيئا عليه أن يخدم نفسه ، حتى من يريد أن يدفع ثمن ما أخذ ، فإن صاحب المقهى يقول له : " هناك وعاء ضع فيه ثمن ما أخذت " لذلك سموه الناعس ، دائما كسلان و دائما نعسان ، لكنه كان حلو الحديث ، طيبا ، لطيف المعشر ، فأحبه الناس ، و كان البحارة يحبونه لحلو حديثه و ظرفه ، و كان للناعس زوجة و سبعة أولاد و بالرغم من كسله فقد كانت المقهى رائجة تضمن له حياة رغيدة سهلة .

جلس الربان مع الناعس و تحدثا حديثا شجيا ، و بعد أيام رحل ، و كان كل سنة يعود ، و يمكث أياما معه ، و مضت ثلاث سنوات ، و ذات يوم كان الربان يجلس مع الناعس و بعض البحارة فتحدث و قال لهم : " لقد أعطانا رجل سبعة قدور نحاسية مليئة بالملح و هي تشغل حيزا و مكانا في المركب ، و لولا أن الرجل دفع لنا الأجر لرميناها في البحر " ، فضحك النعس و قال : " و لماذا ترميها في البحر ، هاهي المقهى واسعة فهاتها وضعها هنا " ، فأرسل الربان بحارا و أحضر القدور ووضعها في ركن منعزل من المقهى ، و ضحك الربان و قال للناعس : " لقد مضت ثلاث سنوات و قد سألت كثيرا عن الرجل لكنني لم أستطع أن أجده ، لعدم معرفتي بإسمه و على أية حال فإن ظهر صاحبها  سأرسله إليك ليأخذها " و ضحك الربان ثم استطرد : " و إن لم أجده يمكن أن تأخذ القدور و الملح ، و تكون حلالا لك ، في السنة القادمة " ، و ذلك لأن الربان كان يزور بلدة الناعس مرة كل سنة .

ولم تمض سنة واحدة ، بل مضت ثلاث سنوات و القدور متروكة في ركن المقهى ، و كان الربان عندما يزور الناعس يضحك و يقول : " يا رجل ابعث القدور الى بيتك و خذ الملح " ، لكن الناعس كان يضحك بدوره و يقول : " حين أحتاج الملح سآخذه ".

و ذات يوم أرسلت زوجة الناعس ابنته الصغيرة إليه ، و اقتربت منه و همست في أذنه : " إن أمي تريد شيئا من النقود لتشتري ملحا " ، فتذكر القدور ، فقال لها : " خذي قدرا من هذه القدور الى المنزل هي مليئة بالملح " .

فحملت البنت قدرا من القدور و أخذتها الى البيت ، و هناك فتحت أمها القدر لتأخذ الملح ، فأذهلها أن القدر مليئة بالذهب ، فأسرعت بالذهاب الى مقهى زوجها ، فاندهش الناعس لقدوم زوجته ، و نادته زوجته ليقوم إليها ، لكنه رفض و طلب و قال متكاسلا لها : " اقتربي مني و أخبريني  بسبب حضورك " ، فهزت الزوجة رأسها و أشارت إليه أن يتقدم منها ، لكنه رفض و طلب منها أن تقترب منه ، فاقتربت و همست في أذنه قائلة : " أتعرف ماذا حدث ؟ لقد وجدت القدر التي أرسلتها الي مع ابنتنا مليئة بالذهب " ، فصرخ الناعس : " غير معقول " ، و سار لأول مرة منذ سبع سنوات الى ركن المقهى حيث توجد الست قدور ، و أخذوا القدور الى المنزل .

كان الناعس كريما ، فاستأجر حانوتين مجاورين لمقهاه ، و افتتح الناعس مطعما ، و كتب على لافتة المطعم : " من معه نقود يأكل و من ليس معه يأكل ، مال الله يأكله عباد الله " ، فأخذ الفقراء يجيئون الى مطعم الناعس و يأكلون مجانا دون أن يدفعوا شيئا ، و الناعس يأخذ من القدور و يحسن الى الفقراء .

و مضت الأيام و جاء الربان صديقه يزوره ، فاحتضنه الناعس ، و سأله الربان : "  من أين لك هذه الأموال يا صاحبي ؟ " ، فرد الناعس ضاحكا : " و الله أنت السبب " ، و حكى له حكاية القدور ، و تصادف أن سمعهم أحد زبائن المقهى ، و هو رجل أشيب الشعر و من بلدة البخيل ، فصاح :"  و  الله  عرفت السر " ، و قص عليه قصة لم يسمعوها من قبل ، فقد كانت بلدة البخيل بعيدة ، و حكى لهم موت البخيل و افتقاد زوجته للقدور ، و رحيل المركب قبل أن تذهب إليها الزوجة ، عند ذلك قال الناعس ، " علي أن أرد ما بقي من المال الى زوجة الرجل و ابنه " ، فقال العجوز : " لقد ماتت المرأة و ابنها منذ سنوات " ، فقال الربان : " إن المال مالك ، حلال لك " ، فقال العجوز : " اخدم يا التاعس للناعس " ، و صارت مثلا .

 

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق