الجمعة، 3 أغسطس 2012

مفهومي الجاهلية و حضارة العصر الجاهلي :

[caption id="attachment_2794" align="alignleft" width="160"] مفهومي الجاهلية و حضارة العصر الجاهلي[/caption]

نجد في الكثير من المراجع  تعبير " حضارة العرب قبل الإسلام " أو تعبير " الحضارة العربية في العصر الجاهلي " .


قد يعجب المتأمل من الجمع بين هاتين الكلمتين في عبارة واحدة ، حضارة و جاهلية وهل في الجهل حضارة ، وكيف يمكن أن يجتمع جهل مع حضارة ! أليس هناك من لُبس بين كلمة تعني التقدم و كلمة تعني التخلف ؟


لقد وردت كلمة " جاهلية " في القرآن الكريم في أربع آيات :


1 - في الآية 154 من سورة آل عمران :


تقول الآية :"ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ " .


يرشح من هذه الآية أن المقاتلين مع رسول الله كانوا قسمين طائفة المؤمنين الذين أنزل الله عليهم الأمن ، و طائفة المنافقين الذين أهمتهم أنفسهم ولا رغبة لهم إلا نجاتها دون النبي و أصحابه ، يظنون بالله غير الحق , كظن الجاهلية حيث اعتقدوا أن النبي قد مات أو قد خسر المعركة ، فقالوا : أين النصر الذي وعدنا به ؟ ولو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا ، فلقد أخرجنا كرهاً لا طوعاً فأجابهم الله : الذين كتب عليهم القتل منكم لا ينجهم قعودهم لأن قضاء الله كائن لا محالة ، و مهما احتلتم في إخفاء نواياكم فالله عليم بذات الصدور .


فالجاهلية هنا هي البعد عن الإيمان و الإعتقاد بأمور يرفضها الإسلام .


2 - وفي الآيتين 49 و 50 من سورة المائدة :


" وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُون أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ".


يطلب الله تعالى من رسوله محمد صلى الله عليه و سلم أن يحكم بين الناس بما أوحى إليه في كتابه العزيز ، ناهيا إياه عن إتباع أهواء الناس ،محذراً من فتنتهم و فسقهم جاعلاً كل ذلك حكم الجاهلية .


فمعنى الجاهلية في هذا المقام يبدو مناقضا لحكم الإسلام و تعاليمه العادلة .


3 - و في الآية 33 من سورة الأحزاب :


التي تخاطب نساء النبي : " وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا " .


يظهر من إمارات الجاهلية ، التبرج و الرجس ، يقابلهما المكوث في البيوت و الطهارة الجسدية و النفسية و الصلاة و الزكاة .


ومما يروى عن تبرج الجاهلية الأولى ،أنه كانت المرأة تلبس الدرع من اللؤلؤ غير مخيط الجانبين ، و الثياب الرقاق و لا تواري بدنها .


4 - و في الآية 26 من سورة الفتح:


 جاء فيها : " إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا "


ففي الآية موازنة بين حمية الجاهلية في قلوب الكفار و بين سكينة المؤمنين و تقواهم.


و المسلمون المؤمنون كانو إذا ذكروا الجاهلية أرادوا بها العادات الوثنية بما فيها من أدران الجهل و التوحش و الطيش و الهوس و الحمق .


 وبذلك فإن الجاهلية إسم أطلقه القرآن الكريم على الحقبة التي سبقت ظهور الإسلام لأن أهل هذه الحقبة كان يغلب عليهم التنازع و التقاتل و العداوة و التأر ، كما كان يغلب على جماعات منهم وأد الأولاد و شُرب الخمر و لعب الميسر و أخد الربا و الإسراف في الكرم... .و أظن أن عمرو بن كلثوم قد أشار  الى المعنى نفسه حيث قال :


ألا لا يـجـهـلـن احـد عـلـيـنـا ... فـنـجـهـل فـوق جـهـل الـجـاهـلـيـنـا


و الجاهلية ضد الحلم و ليس ضد العلم و ذلك لأن عرب الجاهلية كانوا على شيء جيد من العلم بالإضافة الى معاصريهم من جيرانهم، و قد أومأ الشعراء الجاهليون الى ذلك فأرادوا بالجهل التوحش و ليس عدم المعرفة . قال النابغة الذبياني:


دَعاكَ الهَوَى واسْتَجْهَلَتْكَ المَنازِلُ ... وكيف تَصابي المَرْءِ والشَّيبُ شامِلُ


و و اضح من الآيات الواردة أن القرآن الكريم  قد جعل الاسلام و الجاهلية على حدي نقيض ، و رمز الى صفات مميزة للجاهلية ،  نفسية من ناحية ، و خلقية من ناحية ثانية ، و عقائدية من ناحية ثالثة .


وقد وسم بها الكفار كما يتسم بها المسلم الذي لم يرسخ الايمان في قلبه تماماً . و شتان بين الاسلام و الايمان .


و الحقيقة أن للجاهلية امتداداً نفسياً ما استطاع الإسلام أن يوقفه نهائيا منذ اللحظات الأولى في ذلك الوادي الخالي من الزرع في مكة . ولكنه جهد في إزالة دابر الجاهلية بالأوامر تارة ، و النواهي تارة أخرى .


أما فيما يعود الى بعض العادات الحسنة كالكرم و حسن الجوار و إغاثة الملهوف و الضيافة ... فإنه دعا الى استمرارها بعد الاسلام .


و إن أكثر المؤلفين الذين كتبوا عن الجاهلية التفتوا الى المضمون الزمني للكلمة فحسب ، و بذلك نراهم قد اجتنبوا الحق ، لأن الجاهلية لا تحدد بعصر معين من عصور التاريخ ، بل هي فترات متقطعة ،تقع حيناً بعد حين ، قد نلمس بعضاً منها في القرن الواحد و العشرين !


و أخيراً تبدو الجاهلية مرادفة للقدم و حسب ، فلا يستخدم الرواة صفة جاهلي إلا يزيدون عليها ، غالباً نعت قديم . بل يكتفون بهذا النعت للدلالة على بعض من عاش قبل الإسلام  .


و قد أصبح سهلاً الآن تحديد معنى "حضارة العصر الجاهلي" ، فهي تعني جملة النشاطات الفكرية الفنية ، و الصناعية ،و الحربية و الاجتماعية ،من أعراف و أخلاق ، التي قدمها العرب قبل الدعوة الإسلامية .


المراجع:


حسن الحاج حسن ، "حضارة العرب في العصر الجاهلي"، الفصل الأول.


عمر فروخ ، " تاريخ صدر الإسلام" ، ص 39 و ص 40.

هناك تعليق واحد:

  1. ما شاء الله بحث متميز و مفيد و حصري على مجلة مغاربة ضد التنصير

    ردحذف