يصرح العلمانيون بمناسبة و بغير مناسبة أنهم مسلمون مؤكدين أن لا أحد يمكن أن ينزع عنهم صفة الإسلام ، إلا أنهم مقتنعون أن مسألة التدين هي مسألة شخصية بين الإنسان و ربه و لا دخل لأحد فيها ولو كان عالما أو فقيها أو مرشدا ، كما يصرحون أنه يحق لكل شخص أن يغير دينه أو يصير ملحدا ، كما يصرحون أنه يحق لكل شخص أن يغير معطفه إذا أحس بالحرارة . و يرون أن الأخلاق و القيم مصدرها العقل و ليس الوحي ، و من هذا المنطلق يعتبرون أن الشذوذ و السحاق مسألة تندرج ضمن الحريات الشخصية التي يجب على الدولة أن تحميها و تكفل ممارساتها لمواطنيها، دون أي تهديد أو إنكار من أحد . و من تم يتهكمون على من يدعو إلى الفضيلة و العفة و يسخرون ممن يطلب من الدولة محاربة الشذوذ و الدعارة و الزنا و غيرها من الموبقات.

ما هو مفهوم الدين عند العلمانيين المغاربة؟ و ما هي نتائج العلمانية على مستوى العقيدة و السلوك؟
من خلال ما سبق و بالإستناد إلى آرائهم و مواقفهم يتبين أن مفهوم الإسلام عند العلمانيين المغاربة يتماها مع مفهوم "الدين الطبيعي" الذي قال به ملاحدة الغرب قبل الإجهاز الكامل على الدين و قبيل الثورة على الكنيسة اعتبارا لما كانت لا تزال تتوفر عليه من سلطة مادية و معنوية على المجتمع.
إن نظرية "الدين الطبيعي" هو كما يقول الدكتور المسيري أحد الباحثين المنتقدين للعلمانية العربية: " تعبير عن معدل منخفض من العلمنة أو تعبير عن علمانية جنينية، فهي تستجيب لحاجة أولئك الذين فقدوا إيمانهم بالدين التقليدي و لكنهم لا يزالون غير قادرين على تقبل عالم اختفى منه الخالق تماما ، أي أنهم بشر جردوا العالم من الدين و القداسة و اليقين المعرفي و الأخلاقي و لكنهم احتفظوا بفكرة الخالق في صيغة باهتة لا شخصية ، حتى لا يصبح العالم فراغا كاملا"(1).
و يتفرع عن هذا موقفهم من التشريع الإلهي إذ يعتبر العلمانيون أن الحدود الشرعية التي أنزلها الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم قد نسخها التطور الاجتماعي الطبيعي و أبطل قابليتها للتطبيق ، ففقدت مسوغاتها و المصلحة المترتبة عن العمل بها في تنظيم شؤون المجتمع ، و هذا صريح كلام محمد عابد الجابري حيث يقول في معرض الحديث عن تطبيق العقوبات القرآنية في المجتمع الإسلامي: "حيث المجتمعات بدوية بدائية متنقلة فلا توجد سجون و لا جدران و إنما خيام، فكيف يسجن السارق؟ وكيف تحفظ الأموال؟ لابد من عقوبة تميز السارق وتجعل الناس يحذرون منه أما اليوم فقد تغير الحال " .(1)
إن المتتبع لما أنتجه العلمانيون العرب و ليس المغاربة وحدهم يلاحظ أنهم لم يأتوا بجديد يذكر ، فهم رغم ادعائهم نبذ التقليد ، غارقون إلى الأذان في محاكاة الغرب و تقليد ملاحدته ، حيث يمكن اعتبار أن ما أنتجوه إلى الآن لا يعدوا أن يكون ترجمة لما قام بإنتاجه فلاسفة الغرب إلى اللغة العربية.
لكن هذا التقليد لم يبق حبيس الكتب و الصحف ، بل تجلى في الواقع في شكل مواقف و قوانين يسر انتقالها من مجرد كلام فكري إلى إجراءات عملية ما تعرض له المغرب من احتلال علماني أزاح تطبيق الشريعة الإسلامية و استبدلها بالقوانين الوضعية، التي عمل العلمانيون بعده على حمايتها ، و الحيلولة دون الرجوع إلى تطبيق الشريعة الإسلامية ، الشيء الذي كان له أسوأ الأثر على المستوى السياسي و الثقافي و الاجتماعي و العقدي .
نتائج تبني العلمانية على مستوى العقيدة و السلوك
ترتب عن تطبيقات مفهوم الدين الطبيعي الذي يعترف بالله خالقا و لا يعترف به مشرعا، تهميش التشريع الإسلامي تدريجيا ، حتى بدأنا نسمع في المغرب المسلم من يدافع عن النشاط التنصيري ، بل من ينافح عن النشاط البوذي ، و يسوغ بناء المعابد البوذية ، وبهذا استوى الإسلام الحنيف مع الديانات المحرفة بل الوثنية و هذا أصل من أصول العلمانيين في المغرب . و بدأ المغاربة يقرؤون لمن يسب صحابة رسولهم صلى الله عليه و سلم ، بل من يستهزئ بالله عز و جل و الملائكة ، ناهيك عمن يسب الإمام البخاري رحمه الله تعالى …الخ.
فمن جمعيات و أحزاب و منتديات و مؤسسات إعلامية لها ارتباطات و علاقات خارج حدود الوطن مع جمعيات و منظمات أوربية و أمريكية ذات توجه علماني صرف ، استطاعوا أن يؤثروا في القضايا ذات الصلة بالمرأة، و كذا في أهم الميادين الاقتصادية و بسند قانوني أباحو الربا ، و أقاموا كازينوهات القمار، و نظموا العاب القمار و الميسر، و رخصوا لحانات بيع الخمر ، و قاعات الرقص العاري…و كلها ترجمة واقعية لمقتضيات العلمانية.
إلا أننا نسجل هنا أن عملية الإضعاف الممنهج و الإقصاء التام للعلماء و هيئاتهم الرسمية و جمعياتهم غير الرسمية كان له الأثر البالغ في التمكين لتعاليم الدين الطبيعي على كافة المستويات على حساب الدين الإسلامي.
و حتى نستجلي فظاعة ما وصل إليه انتشار تعاليم هذا الدين نسلط الضوء على قضيتين مهمتين يمكن اعتبارهما مؤشرا يدل الباحث على مدى تغلغل العلمانية في كافة بنيات المجتمع المغربي المسلم، و هما قضيتا الشذوذ و التحول الجنسي.
قضية الشذوذ
تعتبر قضية الشذوذ الجنسي و حقوق الشواذ من القضايا التي تقاس بها مدى علمانية الأشخاص و الهيئات و الدول و مدى احترام هؤلاء الأشخاص و الهيئات و الدول للوائح حقوق الإنسان التي تفترض احترام حقوق المثليين.
ففي فرنسا – منبع الاستنارة الفكرية و مهد الحداثة و الديمقراطية بالنسبة للعلمانيين المغاربة- لا يستطيع وزير أو سياسي أن ينتقد ممارسات الشواذ و إلا نزع منه وصف الديموقراطية و رمي بالتميز ضد فئة من المواطنين ، و اعتبر منتهكا لحقوق الإنسان، و في أمريكا يتملق الرؤساء و يتزلفون الى الشواذ و جمعياتهم و يستجدون رضاهم في كل حملة انتخابية.
و لكون العلمانيين المغاربة يؤمنون بمقتضيات لوائح حقوق الانسان أكثر من إيمانهم بمقتضيات القرآن و السنة ، و يحبون أن ينعتوا بالديمقراطيين الحداثيين بدل المسلمين الملتزمين فقد كانت لهم مواقف واضحة و صارمة في قضية شواذ القصر الكبير ، و شواذ ضريح على بن حمدوش ، ومثل النداء الذي اطلقوه لحماية حقوق الشواذ/الحريات الفردية إعلانا عن بداية النضال الحقوقي من أجل حماية الشواذ بقانون يصادق عليه البرلمان و ينشر في الجريدة الرسمية يعدل بموجبه القانون الجنائي الهزيل الذي يداعب الشواذ و الزناة بدل أن يعاقبهم بالفعل ، و الظاهر أن الأمر أصبح وشيكا خصوصا مع الضغوط التي تمارس على المغرب لرفع كل تحفظاته على مؤتمرات حقوق الانسان التي تناولت حقوق الشواذ ضمن توصياتها.
قضية التحول الجنسي
مثل الدفاع عن الراقص المتحول جنسيا المغربي "نور" و دفاع العلمانيين عنه و الاحتفاء به و الترويج لنضاله من أجل أن يقبل القضاء المغربي هويته الجنسية الجديدة و يغير له اسمه الحقيقي نور الدين الى إسم جديد نورا بعد الإدلاء بوثائق ملفه الطبي حول إجرائه لعملية التحول الجنسي في سويسرا و من خلال القاء نظرة على حيثات الحكم القضائي يتبين ان القضاء المغربي قد تأثر الى النخاع بالدين الطبيعي العلماني حيث اقر بجواز التحول الجنسي و ذلك عندما غض الطرف عن عملية التحول من اصلها ولم يناقش حكمها مستغلا الفراغ القانوني ، و لم يكتف بذلك بل اعتمد على التقرير الطبي السويسري المرفق بالملف و الذي يثبت أن المتحول جنسيا يمتلك جينات ذكورية و بالتالي قضى برفض الدعوى بخصوص تغيير الاسم من نور دين الى نورا و كأن المشكلة لدى القضاء المغربي في تغيير الحروف لا في تغيير خلق الله و ما يستتبعه من نتائج على مستوى التدين و الاخلاق و القيم.
و بهذا نكون أمام خطر داهم سيعصف بكل مقومات الدين و الهوية ، يتطلب وقفة حازمة ممن يهمه أمر أن يبقى الاسلام دين الدولة في المغرب على حد عبارة "الدستور" المغربي .
(1) موسوعة اليهود و اليهودية و الصهيونية
فصل العبـادات الجديدة في العالم الغربي
(2)(الجابري "وجهة نظر" ص57-60 )
————————————–
جريدة السبيل العدد 34-24. 01/05/2008 بتصرف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق